vendredi 25 décembre 2015

بواسطة : Unknown بتاريخ : 17:14

خاتمـة:          

نفذت ذخيرة آيت وارين سنة 1927، ونتج عن مرحلة المقاومة خسائر جسيمة في مختلف المجالات، وفسخ المجال للمستعمر لتطبيق مخططاته الاستعمارية والشروع في الاستغلال المباشر لخيرات المنطقة، هذا ولا تفوتنا الفرصة بأن القضاء على المقاومة الريفية في ماي 1926 ترك أثرا بالغ الأهمية على المقاومة الوراينية التي صمدت أكثر من 17 سنة في وجه المستعمر الفرنسي، وفجرت ملاحم بطولية ومعارك تاريخية.
إلا ـأن الإشكال حول هذه المرحلة الحاسمة هو التأريخ لها، حيث نالت النصيب الأوفر من التهميش سواء في التاريخ الرسمي المغربي أو الكتابات التاريخية المعاصرة .
ماذا عن مشاكل البحث وآفاقه المستقبلية؟
بصراحة، أمضيت وقتا ممتعا وأنا أنقب وأفتش عن المراجع والمصادر التي تناولت تاريخ قبيلة آيت وراين أثناء مرحلة الحماية الفرنسية وخصوصا الفترة ما بين 1912 – 1927، وفي مقابل ذلك خلصت بأن تاريخ قبيلتي تناولته الكتابات الفرنسية بشكل كبير وبقي حبيس النظرة الاستعمارية.
رغم ذلك، كانت استفادتي من الأستاذ عبد الرحمان المودن "البوادي المغربية قبل الاستعمار، قبائل إيناون والمخزن بين القرن 16 و19. "بمثابة بوصلة لمعرفة جزء هام من تاريخ قبيلة آيت وراين.
ويبقى أملي الأخير هو إتمام البحث في نفس الموضوع مستقبلا، بتناول بني وراين ومرحلة النضال السياسي، وعلاقتهم بالحركة الوطنية وجيش التحرير، والتنقيب على وثائق جديدة وغربلة الكتابات الفرنسية من الأخطاء والمغالطات والمساهمة بشكل فعال في كتابة تاريخ قبيلة آيت وراين.
بواسطة : Unknown بتاريخ : 17:09
  1.   II ـ فلكور أحدوس عند آيت وارين:
يتميز الإبداع الشعري لدى قبائل آيت وارين، بكونه إبداعا شفويا، وهو تراث يأتي باللهجة الوارنية وبالدارجة أحيانا نظرا لجوار بعض القبائل العربية. فالشعر عند آيت وراين لا يقرأ ولا يكتب ولكن يغنى ويلحن، وينتهي رقصا، بلغنا هذا الشعر عن طريق الرواية الشفوية ولذلك بقي معرضا للاندثار والنقصان.
لا يخرج الإبداع الشعري عن سياق الفعل اليومي المعتاد، بل هو فعل يحايثه ليشكل لحظة أو لحظات قد ترسم للجماعة المبدعة ديمومتها عبر لغة الكلام أو لغة الرقص، إنه ضرب من الإبداع يمكن أن يلازم الإنسان طيلة مسيرته أو لحظات حياته وهي لحظات يتجاوب فيها المبدع مع ذاته، من خلال حوار داخلي، أو من خلال مقابلة مع الغير فردا أو جماعة، وللتدقيق أكثر يمكن أن نركز على الأقل على لحظتي إبداعيتين: اللحظة الأولى هي لحظة عفوية يحكمها الترويج عن النفس، أو الخروج من عزلة الذات، وخلالها يبدع الشخص لذاته، أما اللحظة الثانية فهي مبرمجة ومنظمة ومقصودة (تحت الطلب). يفضي الإبداع في اللحظتين إلى إنتاج نص أو نصوص شفوية عن الذات الفردية أو الجماعية، وهي نصوص تؤرخ للتجربة أو تستعيد الماضي وتراجعه، أو تنشد للمستقبل.
إن إنتاج الشعر هنا يرتبط بالغناء، لذلك نعتبر هذا النوع من الإبداع "شعرا غنائيا"، فهو خارج الغناء لا قيمة له، وما يمنحه القيمة هو المناسبات الاحتفالية الجماعية بما هي "سوق للتبادلات الرمزية".
يتكون الشعر الواريني من العناصر الآتية:
 تاسوت: تلك العبارة التي تسبق "إزلي"، وهي كذلك إشارة لحالة الاستعداد للهجمات الاستعمارية.
 إزلــي: يتكون من شطرين، وله ارتباط بالزواج، ويقوم الشاعر على الارتجال من أجل إبداع "إزلي"، ويعرف دائما إيقاعات داخلية.
 لغــى: وهو خاتمة لشعر أحيدوس، فهو حالة راحة بالنسبة للشاعر، لأنه يردد طيلة فترة الرقص، يكون "لغى" دائما قصيرا وسهلا ومتناولا، ولا جمالية "لإزلي" دون "لغى"، وكل عنصر يكمل الآخر.
يخضع الشعر الواريني لقاعدة أساسية، وقد يعز الشعر صاحبه وقد يهينه. ففي المناسبات الاحتفالية يكون الشاعر ومن ثمة القبيلة قد تفرغ وأنهى مشاغله ومتاعبه، فيتفرغ للإبداع ويكون التواصل مع أكبر عدد من الناس، وعندما تحظى قصيدة ما، أو لازمة بالاستحسان والقبول فإن سلطتها تتجاوز الدوار أو القبيلة لتصل إلى مناطق بعيدة.
إن الشخص الذي ينخرط في طقس أحيدوس لا يقوم بحركات رياضية فقط، أو يرسم مع غيره شكلا هندسيا، بل يترجم ثقافة تحوي تاريخها وتفردها، لذلك فإن الوقوف عند ظاهر اللوحة يخفي عنا عمقها وتجربتها الإنسانية التاريخية والتفاعلية أو بكلمة واحدة وراء الطقس يختفي العمق الأنتربولوجي للوجود الإنساني.
ككل عمل فني، وككل لوحة، لا شيء يولد مكتملا، كل شيء يبدأ بسيطا وينتهي مركبا ومعقدا. تحضر المجموعة المكونة للريف، تستعد، تتمظهر في لباس خاص بالعرض وللعرض، إنه "الحايك" الأبيض وحزام من الجلد (صمطة أحايك)، محفظة تقليدية بحزام من الحرير (تاقرابت) ثم العمامة (تشدادت) ثم الدف (ألون/البندير).
تتكون فرقة أحيدوس عند قبائل آيت وارين من شاعرا أو أكثر يلقب بشيخ القول أو "الشيخ يزلان" ومجموعة من المساعدين ضمنهم شخص آخر أو شخصين يختص في الضرب على الدف (الشيخ والون/ شيخ البندير).
يتوسط الشيخ مجموعته في شكل حلقة دائرية، ويتم ارتجال أو توليد لازمة عبارة عن بيت شعري كمقدمة مرسلة للمجموعة المقابلة، إن هذا الإرسال هو إعلان عن بداية المواجهة بين المجموعتين ميدانيا.
يتميز الإرسال الأول في الغالب بكونه مسالما يتضمن الترحيب والشكر والصلاة على النبي أو طلب أحد الأولياء لمباركة الحفل. تدريجيا، تنكسر الدائرة المغلقة والتوجه نحو المجموعة الأخرى والجمهور الذي جاء للمتابعة، يتم الانتقال من الدائرة إلى نصفها. هندسيا ينفتح الشكل المغلق لأن الإرسال سيتوجه نحو المجموعة الأخرى المحاورة أو المتابعة. ها نحن أمام تفاعل مجموعتين، إن المجموعة المستقلة سينتابها الصمت، لأنها تلقت الرسالة وما على عناصرها إلا أن ينصتوا ويستوعبوا الرسالة ويفكوا ألغازها. يرددون الرسالة في صمت وتمعن، وبعدها يعيدونها جهرا إلى مصدرها.
بعد ذلك، يقوم الفريقين معا بترديد لازمة مرافقة للبيتين الشعريين المرسلين والمقصود هنا هو ترديد "اللغا"، وفي هذه الأثناء تسمع رنين ودقات الدف (ألون/ البندير) فتبدأ عملية تشابك الأيدي إلى جانب التوسيع الذي يعرفه "الريف" وذلك بمشاركة عناصر جديدة لم تشارك الفريقين في عملياتهم الأولى كمشاركة المرأة، ليستقر الرقص على شكلين موسعين دائرين متقابلين ويطلق عليهما باللغة الأمازيغية "لرياف" فيستمر الفريقين في الرقص بتعليمات وتوجيهات من "الشيخ ن الريف"، فإذا أمعنا النظر في الفريقين نجد أن كل فريق يتوسطه رجل يتقن الرقص وهو الذي يوجه ويراقب ويصرخ في وجه افراد مجموعته من أجل الحفاظ على نظام هذا الطقس وعدم الإخلال بقواعده هنا يجب أن نشير إلى أن طقس أحيدوس يتشكل من وجود مركز "أماس" يمثله الشيخ ومساعدوه ووجود هامش "تشطيطت" يمثله باقي الأفراد.
تكمن شروط إنجاح الرقص في وجود أشخاص تتقن الرقص وتردد اللازمة ثم الانضباط لتوجيهات وحركات "الشيخ ن الريف" الذي يجب عليه بدوره الانتباه إلى أعضاء مجموعته وحركاتها فإذا رآهم تعبوا أو أصابهم الملل من رقصة ما، ينتقل إلى رقصة أخرى وفق حركة فجائية، وهكذا فالاستمرار في الرقص أو إنهاؤه يكون لصاحب الدف (الشيخ والون، البندير) ومجموعته بإشارات من الشيخ الذي يتوسط "الريف"، فيتوقف الرقص بفك تشابك الأيدي بشكل يتوافق مع اللحظة التي يستعد فيها الفريق المقابل لتغيير الرقصة، ثم تأتي بعد ذلك الجولة يسترح فيها الفريقين للاستعداد من جديد للسير على النحو السابق وقد يستمر الرقص حتى بزوغ الفجر.
لا يمكن إغفال الدور الأساسي الذي تلعبه المرأة في طقس أحيدوس، فوجود النساء بكثرة داخل الرقص مؤشر استحسان وقلتهم أو غيابهن مؤشر على عدم الرضا على الجماعة أو على طريقتها في الرقص، وما يشجع المرأة على المشاركة في الرقص هو الفرجة وانتظام "الريف" وهو ما يفضي إلى أن مشاركتها يؤدي إلى استمرار الرقص المنظم، وعدم مشاركتها يولد الفتور والملل وربما التوقف وإنهاء الحفل، وأحيدوس بدون امرأة كطعام بدون ملح .
إن الشعر الواريني لا يخرج عن نطاق الشعر بجميع الحضارات، فهو كذلك يحمل رسائل لمعالجة قضايا ومشاكل اجتماعية وليس فرجة فقط.
خلاصة القول، فطقس أحيدوس يشكل إرثا ثقافيا لقبيلة بني وراين وتاريخا بمثابة خزان لشتى العادات والتقاليد التي تتوارث جيلا بعد جيل، لذا وجب علينا الحفاظ على استمراريته كموروث ثقافي دولي.
بواسطة : Unknown بتاريخ : 16:59



الفصل الأول:

آيت ورابن دراسة جغرافية



I ـ الحدود الجغرافية لمنطقة بني وراين:
معلوم ما للظروف الطبيعية من أثر حاسم في مجريات الأحداث في أي مجتمع ضعيف التحكم في القوى الطبيعية، وليس في التأكيد على أهمية دور الطبيعة في المسار التاريخي لمجموعة بشرية ما، إقرار بأية حتمية جغرافية عمياء، بل المقصود هو التنبيه إلى نسبية هذا الدور العكسية مع تطور تحكم الإنسان في تلك القوى الطبيعية إذا، مدخل ضروري.
تسكن قبائل آيت وراين النطاق الجغرافي الممتد جنوب ممر تازة وهي بذلك تغطي النهاية الشمالية الشرقية لسلسة الأطلس المتوسط، إذ تمتد أراضيها من وادي إيناون في الشمال الغربي إلى وادي ملولو شرقا، وتحد جنوبا بجبال بويبلان وبوناصر، وبني وراين جيران غياثة، وتنقسم إلى مجموعتين أساسيتين: بني وراين الغربية، وبني وراين الشرقية، تنفصلان جغرافيا بسلسلة جبال الأطلس المتوسط: جبل بويبلان، وجبال موسى أو صالح.
تشغل بني وراين الغربية المجال الجغرافي الواقع أعلى وادي سبو الموجه أساسا نحو صفرو وفاس، أما بني وراين الشرقية فإنها تشغل المنخفض الأعلى لوادي ملولو أحد روافد نهر ملوية وتتسع لغابة قصبة مسون وباتجاه منخفض ملوية وسهل طفراطة ما بين كرسيف وتاوريرت.
وكان للظروف الطبيعية الصعبة التي استقر بنو وراين في البداية، أن دفعت بهم للتوسع الذي تم عبر مرحلتين: الأولى على امتداد القرنين 17 و18 م ليشمل المجال الممتد من جبل بويبلان جنوبا إلى جبل تازكا والشعرة في الشمال والغرب ولكن دائما في إطار جبلي، أما المرحلة الثانية فقد امتدت على طول القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكان هذه المرة باتجاه المناطق السهلية نحو سهول ملولو والفحامة، والسيطرة على مساحات شاسعة من أراضي قبائل هوارة وغياثة ثم هضاب تاهلة، مطماطة ورباط الخير (أهرمومو)، مما جعل بني وراين تدخل في صراعات ضاربة وطويلة مع جيرانها خصوصا الحيانية وبني سادن وبني يازغة، لتتمكن أخيرا من السيطرة على المجال الممتد من وادي إيناون إلى هضبة المنزل.
تضاربت مجموعة من العوامل منها ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي وما هو سياسي في توسع بني وراين على حساب القبائل المجاورة والدخول فيما سمي بالحروب التوسعية أو الامتداد المجالي لبني وراين.
 اقتصاديــا: توفر بني وراين على قطعان كبيرة من الماشية، فرض عليهم نوعا من رحلة الصيف والشتاء، حسب خط يمتد من الجنوب الشرقي في اتجاه الشمال الغربي، "فيشتي بني وراين عند آيت سادن والحياينة، حيث يعيشون تحت الخيام، ويصيفون في الأودية العالية، حيث يسكنون القرى المحصنة".
 اجتماعيــا: إن تكدس قبائل بني وراين بتانكررامت، نتج عنه اكتظاظ سكاني كبير، فقد قدر الأستاذ عبد الرحمان المودن عددهم ما بين 18 ألف و 20ألف نسمة كمعدل أواخر القرن 18، فيما أن الإنتاج الزراعي يتسم بالقلة، كما أن المجاعات والأوبئة عادة ما لا يفلت منها الجبل والصحاري وهي الشروط المتوفرة في بني وراين لذلك  يكون العنصر الديموغرافي أحد أصول التوسع الورايني.
 سياسيــا: منذ استقرار بني وراين بتانكررامت قرب زاوية امحند والفرح التي تمركزت بجبل وبلان (بويبلان) خلال القرن 16 م حسب محمد الشفشاوني صاحب كتاب الدوحة، حيث كان طموحهم الوصول إلى مدينة فاس عاصمة الحكم للانتقام لكل النكبات التي لحقت بها في الجبال أواخر القرن 17 وبداية القرن 18.
كما سبق الإشارة بأن بني وراين، لكي تسيطر على المجال الممتد من وادي إيناون إلى هضبة المنزل، لابد من الحروب الطاحنة مع قبيلة الحياينة وبني سادن وبني يازغة.
 الحرب ضد الحياينة: بدأت الحرب بين الحياينة وبني وراين 1876م وقد طردهم بني وراين خلال المرحلة الأولى من موقعهم بالجبل بأزرو وأخصاص حتى منطقة دار الواد شرق تاهلة أما المرحلة الثانية كانت الحرب ضد فرقة أولاد رياب لوحدهم سنة 1884، وتصف رسالة موجهة من الحسن بن العربي إلى السلطان ضراوة هذه الحروب قائلة: "... كل يوم خيولنا سرجة إليهم ورماتنا متحزمون ليلا ونهارا، ولم نجد من يعيننا من قبيلتنا، إنهم حركوا إلينا (بني وارين) بخيول كثيرة ورماة عديدة لديارنا... وانجرح أولادي ... ومات نحو اثنين من إخواني ... لم يسلم منا إلا القليل...".
 الحرب ضد بني سادن: إن مقولة أن بني وراين كانوا في توسعهم يميزون بين العرب والبربر خاطئة، ولم يراعوا في زحفهم إلى السهل أي اختلاف لغوي، بل عاملوا سكان "لوطا" معاملة متشابهة. وتزكي هذه الحرب الرسالة الموجهة من القائد ابن حد علي السادني، بتزكية من شيخين وأمينين، غلى خليفة السلطان بفاس، الأمير إسماعيل، بتاريخ 18 جمادة 1 – 1303/1886 "... وبعد (...) فقد وفانا الأمر الشريف مخبرا بلغا [ أنه بلغكم] خير القتال وقع بين بني سادن وبني وراين وآيت شغروشن (,,,) وغزران وبعض غياثة وماة الأمين بن علي الميموني وغيره من بني سادن وأمرنا سيدنا أن يبينوا له الحقيقة على أي شيء نشأ واعلم سيدي أما ما كان من هذا القبائل المذكورة فأمرهن حقا في ذلك أما ما كان من غياثة وغزران ليس دخلوا في هذا واعلم سيدي أما سبب الواقع بينهم كان كفاف وحقوق بينهما قبل هذا ولم يتفاصلا من الجانبين حتى وقع القتال بينهما وشاعت العداوة".
 الحرب ضد بني يازغة: كان المخزن يطوق المنطقة الجنوبية الغربية لبني وراين بقبيلة بني يازغة، لمنعهم من الزحف على السهول والتقرب من العاصمة فاس، وكان ذلك في السنين الأولى من حكم الحسن الأول، يستفاد ذلك من رسالة موجهة من موسى بن أحمد، الحاجب إلى أخيه عبد الله بن أحمد، وكان وقتئذ باشا فاس.
"وبعد وصلنا كتابك (...) مخبرا فيه بحال تلك النواحي وما فعله إيالة القائد محمد بن قاسم والقائد محمد بن قدور [الحيانيين] من النهب والقتل ومن مات من إخوان القائدين المذكورين، وآيت شغروشن وبني وراين كذلك، وبقدوم أولاد عمران عليهم حتى صار بنو وارين وآيت شغروشن في الضيق والشدة وبما فعل بنو يازغة ببني وراين حتى مات منهم وانكسروا".
وقد أدى التوسع الورايني إلى تغيير ملحوظ في الخريطة القبلية، لتظهر على مسرح الأحداث السياسية الكبرى، وبدأ المخزن يدخلها في حساباته العسكرية.

II ـ تضاريس منطقة آيت ورايـــن:
تتميز جغرافية المنطقة بضمها سلسلة جبلية تدخل في مجال الأطلس المتوسط والمساواة بسلسلة جبلية مرتفعة، فعندما تغادر فاس من جهة باب الفتوح نسير في اتجاه منحدرات ضفة وادي سبو اليسرى من هذا المنحدر تبدو نحو الشرق والجنوب الشرقي والشمالي الشرقي نظرة عامة على المناطق التي تكون ما بين فاس وتازة مجموعة من العناصر الكثيرة التقطع والتنوع وفي اتجاه الجنوب الشرقي تظهر لنا جبال بني وراين أكثر ارتفاعا وهي سلسلة مرتفعة تغلق الأفق بقممها التي تكسوها الغابة أو تعلوها الثلوج إبان فصل الصيف وأكد جل الرحالة العابرين للمنطقة على علو هذه الجبال واتساعها، إذ يقول الوزاني في "وصف إفريقيا": "وبلان أو بويبلان جبل شاهق شديد البرودة كبير الاتساع ويظهر الثلج بقمته في جميع فصول السنة".
وتحدد مستويات متدرجة في هذا النطاق الجبلي: مستوى أعلى في بويبلان 3081م، موسى أوصالح 3172م، ثم مستوى متوسط في تازكا 1980م، ثم مستوى أدنى بين 1500 و1800م كما في جبل أمسعود.
لا غرابة إذا لاحظنا أن هذا الوصف الطبيعي لتضاريس بني وراين يطغى عليه الطابع الجبلي وتلك هي السمة المميزة للمنطقة وأن المجال المنبسط لم يكن ضمن مجال بني وارين حتى السنوات الأخيرة من القرن 19، أي حتى الحسم في الحروب التوسعية السالفة الذكر، حيث أصبحت السهول الممتدة من الحدود مع غياثة على وادي بوحلو في الشرق على امتداد وادي إيناون في الشمال وواد بوزملان في الغرب حتى هضبة تاهلة جنوبا في حوزة بني وراين.

III ـ منـــاخ المنطقــة:
كان لابد من دراسة مناخ منطقة آيت وراين والتطرق إليه، ولو بصيغة مقتظبة، وعيا منا بالدور الذي لعبه ما دمنا نمهد لدراسة فترة المقاومة الوراينية للوجود الاستعماري الفرنسي بالمغرب.
تتموقع منطقة بني وراين بـ 250 كلم عن المحيط الأطلسي، وبـ 100 كلم عن البحر الأبيض المتوسط، وهذا كاف لتحديد نوع المناخ الذي سيسودها مع الأخذ بعين الاعتبار التضاريس السالفة الذكر.
إن الجزء الشمالي للأطلس المتوسط يخضع للتأثيرات الآتية من المحيط بدون حاجز، لأن الاتجاه العام للكتلة الجبلية وامتدادها المتوازي هي التي تؤثر في حالة الجو وتحدد مختلف تغيرات المناخ المحلي، هكذا فالرياح الغربية المحملة بالأمطار تجد أمامها في الشمال الغربي حاجزا تازكا والشعرة ثم الكتلتين المواليتين في الجنوب الغربي لتبدد في شبه صحراء ملوية الوسطى.
أما التساقطات فتعرف اختلافا في نسبتها، فيكفي قراءة بعض الأرقام لمحطات لا تتباعد بأكثر من 60 كلم لملاحظة هذا الاختلاف "ففي محطة باب بويدير في الكتلة الأولى في الشمال الغربي، تتلقى أزيد من 1500 ملم، في حين أن محطة بركين المتمركزة خلف سلسلة بويبلان وموسى أوصالح لا تتلقى سوى 350 ملم من الأمطار سنويا.
يطغى المناخ الجبلي على منطقة آيت وراين باعتبارها سلسلة مرتفعة تغلق الأفق، بقممها التي تكسوها الغابة، أو تعلوها الثلوج حتى إبان الصيف.
وتؤكد الدراسات الجغرافية الحديثة لمناخ المنطقة توزع السنة إلى فصلين أساسيين متعارضين تتخللها فصول انتقالية سريعة:
 الفصل المطير: هو أيضا الفصل البارد (4° - 2°) وقد يتميز ببرودة مفرطة أحيانا نظرا للهواء البارد الذي ينحدر من الجبال المحيطة، حيث تستديم الثلوج في بعضها طيلة السنة.
 في فصل الصيف: تنقلب البرودة حرارة (وقد تحادي 50 درجة أحيانا) نظرا للبعد عن المحيط وللشكل الحوضي الذي يحدث ظاهرة تركز الأشعة الشمسية فترتفع درجات الحرارة، وهو فصل جاف يزيد فيه الجفاف حدة، إذا ما هبت الرياح الشرقية التي تحمل المؤثرات الصحراوية.
أهم الرياح التي تهب بالمنظمة: رياح الغربي التي تقبل بالأمطار شتاء، وتساعد على فرز الحب من التبن صيفا، ولذلك ينيط أهل المنطقة بها بركة خاصة*.
 الرياح الشرقية: (الشركي) رياح قوية باردة في الشتاء، حارة محرقة في الصيف، يهابها السكان بالمنطقة ويتلطفون منها لأنها في سائر الأحوال "جافة ومجففة" وقد قدر هبوبها بمعدل 100 يوم في السنة.
وقد تخلف الرياح الشرقية آثارا وخيمة على المحصول الزراعي لأنها تسبب الجفاف المحرق للمزروعات "يكفي أن يهب الشركي قبل أن ينضج القمح حتى يجف ويتراخى ويضعف المردود، وهنا في ظرف لا يتجاوز ثلاثة أيام".

الفصل الثاني:
آيت وارين دراسة أنتروبولوجية
      I ـ نظام القبيلة عند آيت وراين:
احتل النظام القبلي مكانا مرموقا في الحياة العامة للأقطار المغربية واستمر يحتلها ويطبعها بطابعه إلى عهد قريب، فخلال قرون طويلة كانت القبيلة هي المحور الذي تدور عليه فيها جميع الحركات السياسية والتقلبات الاقتصادية والاجتماعية والتطورات الفكرية والاجتماعية.
إن القبيلة، بالنسبة لابن خلدون، لا تحدد بكونها جماعة منحدرة أو متفرعة عن جد أول، ولا تحدد فقط بما قد يجمع بين أعضائها من روابط الدم. إن النسب في معناه الضيق لا يعدو أن يكون معطى وهميا. لا يصمد أمام وقائع الاختلاط وعلاقات الجوار والتعايش المكاني، أما النسب في معناه الرمزي والواسع، النسب والانتساب البعيد، أو ما يماثله من أشكال التحالف والولاء والانتماء، فإنه يشكل الإطار الحقيقي للقبيلة، ويظل هذا الإطار غير مكتمل طالما لم يعززه عناصر الألفة والتعامل الطويل، طالما لم يكتسب الفرد عادات وأعراف القبيلة، ولم يتبلور لديه الوعي بوجود مصلحة عامة ومشتركة، تشده إلى بقية أعضاء جماعته: "لأنه لا معنى لكونه من هؤلاء أو هؤلاء إلا جريان أحكامهم وأحوالهم عليه وكأنه التحم بهم". ولعل أبرز وأحق ما يستدعي تكتل أعضاء القبيلة وتوحدهم هو توفرهم على أرض جماعية، إلى جانب ملكيتهم العائلية، لذا كانت حماية هذه الملكية الجماعية والدفاع عنها ضد مهاجميها من مرتكزات الحياة القبلية، ما دام الحرص عليها لا يخص أفرادا دون الآخرين بقدر ما هو مسؤولية الجميع.
كانت القبيلة هي أعلا قمة في النظام السياسي والاجتماعي الذي عرفه البربر سكان المغرب الأولون قبل الإسلام، وقد كانت تبتدئ في قاعدتها من الخلية الأولى التي هي الأسرة المتركبة من أب وزوجة أو عدة زوجات وأولاد يطيعون والدهم حق الطاعة ويؤولون جميع تصرفاته تأويلا حسنا وينظرون دوما إليه بعين الإجلال والاحترام، ثم ترتفع إلى مستوى العشيرة المشتملة على عدد من الأسر تنتمي إلى جد واحد وترتبط برابطة القرابة الوشيجة، ثم ترتقي إلى مرتبة العمارة أو البطن الذي تجمع عشائره شتى جوامع الصهر والجدار والمنفعة المشتركة، وتنتهي في القمة بالقبيلة التي تحتوي في الغالب على عدد من البطون تؤلف بينها وحدة الدم والنسب، وتشمل في النادر بطنا أو عدة بطون من غيرها انحازت لها وانضافت إليها في أوقات بعيدة أو قريبة لسبب من الأسباب فأصبحت معدودة منها بحكم الحلف والولاء.
إن اجماعة في نظر مونطاني هي الدعامة الأساسية لاستمرار  الحياة القبلية القديمة، وبصفة خاصة اجماعة "تقبيلت" التي أشاد بحيويتها، وفعاليتها في الدفاع عن حوزة الأرض، وإدارة الشؤون اليومية للسكان بما فيها إصلاح السواقي والطرق، وتنظيم الأعمال الزراعية والمبادلات وفق ما تقتضيه أعراف الجماعة ومعاييرها واتخاذ الإجراءات الزجرية والعقابية ضد كل من تجاسر على مصلحة الجماعة، بالإضافة إلى التعامل السياسي مع "المجهوريات" المجاورة.
تعتبر قبيلة آيت وارين مكونا قبليا داخل المغرب بخصوصياتها الجغرافية، ونمط عيش خاص بها تحكمه مجموعة من العادات والتقاليد ومن بينها إقامة طقوس متشابهة للاحتماء بها من الكوارث الطبيعية خصوصا الجفاف منها كطقس "تغنجة" وهي إحدى كيفية الاستسقاء تتمثل في طلب المطر عن طريق عرائس رمزية – صلبان مصنوعة من القصب تلبس لها ألبسة "العرائس" يحملها مجموعة من الصبيان وتنشد أناشيد الاستسقاء.

mardi 22 décembre 2015

HISOIR

بواسطة : Unknown بتاريخ : 13:50
مقدمــة:
عرف المغرب في بداية القرن العشرين أوضاعا خطيرة، اتسمت بانعدام الاستقرار نتيجة لتوتر العلاقة بين الحكم السلطاني وبعض القبائل المغربية، وظهور التمردات والعصيان، مما فسخ المجال أمام القوى الاستعمارية من أجل التهافت على استعمار المغرب تحت ذريعة استتباب الأمن والسهر على الاستقرار.وبفعل ضعف الجهاز المخزني واستمراره في التنظيم الاجتماعي والسياسي التقليدي الذي كان عليه قبل سنة 1912، بالإضافة إلى احتلال الجزائر سنة 1830، فرضت على المغرب معاهدة الحماية التي تم توقيعها بتاريخ 30 مارس 1912.
وأمام هذا الواقع المشأوم الذي هز نفوس المغاربة وحرك فيهم الشعور الوطني وضرورة التصدي للمشروع الكولونيالي الفرنسي، حيث ظهرت حركات المقاومة المسلحة وإعلانها الدفاع عن البلاد. ومن ضمن هذه الحركات حركة المقاومة الوراينية التي كانت بارزة ونشيطة بمجال الأطلس المتوسط.
تحتل قبيلة بني وراين موقعا استراتيجيا، فامتدادهم من غرب سهول تاهلة في الغرب إلى ملوية الوسطى في الشرق، جعلتهم يراقبون المدخل الغربي والشرقي لممر تازة، المنفذ الوحيد الذي يسمح بالتنقل من المغرب الأطلسي إلى المغرب الشرقي والجزائر.
وفي سنة 1914 قامت القوات الفرنسية باحتلال مدينة تازة، فرغم هذا الحدث ظلت قبيلة آيت وارين حرة في مجالها مما جعل الفرنسيون يخططون للإسراع بإخضاع المنطقة وذلك عن طريق الزحف غلى المناطق السهلية والمناطق الأقل ارتفاعا وكان ذلك بين سنتي 1914 – 1918، لكن صلابة المقاومين وشجاعتهم جعلت فرنسا تعيد ترتيب أوراقها وتؤجل إخضاع "العازيين" الرافضين لسلطة للاستعمار إلى المرحلة ما بين 1919 – 1927 وهي مرحلة اندلاع المعارك الحاسمة والملاحم الكبرى.
من بين الأسباب والدوافع التي دفعتني للبحث في هذا الموضوع، انتمائي لهذه القبيلة بحكم الولادة والنشأة، وإيمانا مني أن آخر ما يمكن تقديمه لقبيلتي هو إعادة كتابة تاريخها والنبش في ذاكرتها التي أرادوا لها الطي والنسيان سواء في التاريخ الرسمي للمغرب أو في الكتابات التاريخية المعاصرة، رغم ما قدمته من تضحيات واسترخاص للنفس في سبيل الوطن.
لقد واجهت مجموعة من العراقيل قبل إخراج هذا البحث إلى حيز الوجود، ويتجلى ذلك في قلة المادة التاريخية إلى حد تغييب تاريخ المنطقة من سجلات المقاومة المغربية المسلحة أو التطرق إليها بشكل مختصر، رغم ذلك، كانت عزيمتي وإرادتي تفوق كل هذا وذاك، لأن الأمر يتعلق بإعادة الاعتبار ونفض الغبار عن تاريخ آيت وراين الذين أبوا الركوع واختاروا الموت، عكس أولئك المتخاذلين الذين باعوا بلادهم بصحن من عدس، ويبقى التاريخ هو الكفيل لإظهار الخسيس من النفيس.
سأتناول في بحثي المتواضع هذا ثلاثة فصول:
الفصل الأول:
عبارة عن دراسة جغرافية لمنطقة بني وراين، وسيتم الحديث فيه عن الحدود الجغرافية للمنطقة، والتضاريس المشكلة لمجال بني وراين بالإضافة إلى المناخ.
الفصل الثاني:
عبارة عن دراسة أنتروبولوجية للمنطقة، تطرقت فيه لنظام القبيلة عند آيت وراين ونظامها الاقتصادي والسياسي، كذلك فلكلور أحيدوس باعتباره موروثا ثقافيا وتراثا عريقا يختزل ذاكرة المنطقة.

الفصل الثالث:



تحدث فيه عن المقاومة المسلحة لقبيلة بني وارين ضد الاستعمار الفرنسي، ابتداء من دفاعهم عن مدينتي فاس وتازة ومقاومتهم خارج مجالهم الجغرافي (1912 – 1914)، ومحاولة زحف القوات الفرنسية إلى المناطق السهلية والأقل ارتفاعا (1914 – 1918)، وفي الأخير تطرقت إلى المرحلة ما بين (1919 – 1927) والتي عرفت معارك حاسمة ومواجهات عسكرية أبان فيها الورايني عن شجاعة قل نظيرها.
Fourni par Blogger.

جميع الحقوق محفوضة لذى | Privacy Policy | Contact US | إتصل بنا

amazightofficielle1